اسطورة الرجل الذئب 3

أسطورة الرجـل الذئـب
رواية بقلم د.أحمد خالـد توفيق
الفصل الثالث: الكنيسة

--------------------------------------------------------------------------------

يحكي د.رفعت اسماعيل: وصلنا للكنيسة العتيقة في القرية.. آخر أمل لنا في المبيت.. نزل جوستاف من العربة واتجه نحو باب الكنيسة الحديدي الصدئ وصفق بكفيه.. ولم يفته أن يشير لصليب حديدي مغروس في الجليد أمام الباب.. ونظر إلي نظرة ذات معنى: أنت على حق فيما لاحظت
بعد دقائق تحرك ضوء مصباح, وانفتح الباب الصدئ في حذر عن وجه مليء بالتجاعيد, كان هذا هو القسيس.. لحيته البيضاء ونظارته الطبية السميكة ذكرتاني بقساوسة الروم الأرثوذكس الذين عرفتهم في الإسكندرية, تحدث معه جوستاف بكلمات مقتضبة فهز رأسه استنكاراً ودعانا للدخول
أغلقت خلفي باب السيارة ووثبت إلى الداخل وأنا أرتجف رداً.. صعدنا سلالم متآكلة إلى غرفة واسعة رحبة.. وكانت هناك.. مدفأة ! اللهب الأحمر العزيز يتراقص مرحباً بنا.. وكانت هناك سيدة عجوز جالسة تحيك التريكو جوار المدفأة.. قدمها لنا الأب بكلمات لم أفهمها.. فقال جوستاف: الآنسة شقيقة الأب أنطونيسكو
وكانت هناك بعض كتب الصلاة على مائدة خشبية عتيقة, وشمعدانان.. وعدة أيقونات, كانت غرفة قديمة لكنها نظيفة مريحة و.. دافئة
جلسنا أمام النار شاعرين أن اللهب ينفذ عبر عظامنا ليذيب النخاع بداخلها!.. أم الأب أنطونيسكو فنهض إلى زجاجة صغيرة صبّ لنا منها شيئاً في قدحين من الخزف.. وقدمه لجوستاف ولي.. نظرت إلى جوستاف في تساؤل فقال: روم ساخن ليجري الدم في عروقك
اعتذرت له وناولته الكأس ليشربها بدلاً مني في حين شرح هو الأمر للأب: مسلم
قالها بالرومانية كما ننطقها نحن بالعربية.. فنظر إلي الأب في مودة: آها!.. مسلم؟
ودارت محادثة قصيرة أدركت مفادها بالطبع.. من أين أتيت أنا وكيف؟ وماذا أفعل في هذا الركن المشئوم من العالم في هذا الزمهرير بينما بلدي هو أجمل وأدفأ بلدان الأرض؟!.. لو كنت أجيد الرومانية لقلت له إنني مجنون أيها الرجل الطيب.. مجنون.. ومعتوه.. وأبحث عن حتفي
*******
جاء العجوز في تؤده حاملة وعاء تفوح منه أبخرة زكية.. ورغيفين طويلين .. وطبقاً به بعض شرائح اللحم, أشار القسيس إلى اللحم ولي وقال كلاماً ما لم أحتج لمجهود كبير كي أعرف معناه
قال جوستاف: يقول لك إن هذا اللحم
قلت: ضأن.. وليس لحم خنزير.. أليس كذلك؟
سألني: وكيف عرفت؟
قلت: إن لغة الإيماءات والنظرات عالمية يا صديقي.. لو أنك شاهدت فيلماً باللغة البنغالية لفهمت ثمانين في المائة من قصته دون جهد
وعلى المائدة جلسنا نرشف الحساء الذي لا أعرف ما هو وإن كنت أميل بعد تذوقه إلى الاعتقاد أنه حساء أحذية.. وكانت تسبح فيه أشياء مرعبة لكنه كان ساخناً وهذا يكفي
على حين جلس جوستاف والقس تبادلان حدياثاً لم أفهم حرفاً منه.. سيل من الشينات والخاءات ينهال فوق رأسي ويكاد يطير المائدة بما عليها
هل اللغة الرومانية خشنة إلى هذا الحد؟
عينا القس تتسعان خلف نظارته وهو يضغط على مخارج الحروف.. وجوستاف يبدو غير مصدق وإن كان قد توقف عن المضغ مما دلني على أن الأمر أثار اهتمامه إلى حد ما, الأب يرسم علامة الصليب
عم تتحدثان يا جوستاف؟ -
نظر إليّ في تهكم.. ثم قال: خمّن !.. ألست خبيراً في الأفلام البنغالية؟!.. الإيماءات ياصديقي .. الإيماءات
قلت: حسن.. لا تمزح !.. هناك معتقد يؤمن به الأب ويخشاه كثيراً لكنك لا تصدقه.. وإن كانت القصة قد بدأت تؤثر فيك
حسن.. أنت على حق -
قلت: ولأكون أكثر دقة.. يقول لك إن الشيطان أو روح الشر.. أو شيئاً من هذا القبيل.. يتجول في القرية هذه الليلة المشئومة لهذا أغلق السكان بابهم وغرسوا الصلبان على الأبواب, وإنه يسأل الرب أن يحفظنا هذه الليلة
نظر إليّ في شك.. وتساءل: قلت إنك لا تعرف حرفاً من الرومانية؟
أجبته: بالفعل.. لكنها الإيماءات كما قلت لك.. ثم إن القصة هي دائماً هكذا .. تعلمت ذلك من قصص إدجار آلان بو
إدجار آلان بو الشاعر الأمريكي العبقري.. كتب أرق قصائد الحب مثل آنابيل لي وأفظع قصص الرعب مثل قناع الموت الأحمر و الحشرة الذهبية و سقوط منزل آشر
قال لي: وهل أدركت من الإيماءات أيضاً أنه مزق رجلين أمس؟
من هو؟ -
نظر لي وقال: إنه بيلاسكو المذءوب.. أو بمعنى آخر الذئب الذي كان رجلاً
*******
- يـ تـ بـ ـع -

معاكي
انزلي بالجزء الرابع