اسطورة الرجل الذئب 4

أسطورة الرجـل الذئـب
رواية بقلم د.أحمد خالـد توفيق
الفصل الرابع: رعب في القرية

--------------------------------------------------------------------------------


يحكي د.رفعت اسماعيل: صحت في ذهول: هل.. هل تتحدث عن أسطورة الرجل الذي يتحول إلى ذئب حين يصير القمر بدراً؟
قال لي في تشف إذ نجح أخيراً في إثارة فضولي: إن رومانيا هي موطن هذه الأسطورة.. وبالتحديد يهل الدانوب, وللمزيد من الدقة الجغرافية يبدو أن موطنها هذه القرية للأسف
ثم ابتلع ملعقة من حسائه.. ودعاني بإشارة إلى أن أواصل الأكل.. لكن ما أكلته كان قد تحول في معدتي إلى قالب من الطوب.. خرافة أخرى تلاحقني في هذا الركن من العالم كأني الوحيد المؤهل لهذه المهام القذرة
قلت: لكن القمر كان بدراً البارحة.. المفروض بحسب الأسطورة أن يسود الهدوء والسلام القرية بعد ليلة البدر الصاخبة, ويعود المذءوب إنساناً
تبادل بعض كلمات مع الأب أنطونيسكو, ثم التفت إليّ: ثلاثة أيام
قلت: إذن يظل المذءوب يعيث فساداً في القرية ثلاثة أيام.. هذا كثير.. وإذن فليلة باكر هي آخر ليالي هذا الشهر
أظن هذا -
وشرعت أنهي حسائي حين استمرت المحادثة بين جوستاف والقس, التفت إليّ جوستاف, قائلاً: قلت للقس أنك لا تصدق حرفاً
هتفت: جوستاف.. إن هذا لا يليق.. إن آرائي الخاصة
واصل الكلام: وهو يدعوك أن تزور الحانة باكراً لتسمع ما سيقوله الرجال هناك
قلت: ولكن.. اعتذر له.. أنا لم أقصد.. يا لك من
وعادا للحديث مرة أخرى.. وسمعت كلمة نوسفيراتو عدة مرات.. ثم أشار إليّ القس ضاحكاً.. وقال لي جوستاف موضحاً: إنه يسألك عن مغامرتك مع الكونت دراكيولا
نظرت إليه في غيظ, وقلت: قل له أنني اقتربت من القصة بشكل مروّع.. لكني حتى هذه اللحظة لست واثقاً من شيء, قد تكون كل القصة سلسلة من الأوهام, وقد تكون دعابة قاسية شربتها حتى الثمالة.. لكني أعرف شيئاً واحداً ..لم أجد أي دليل مادي على أن مصاص الدماء عاش أو يعيش في هذا العالم.. وإن موقفي من الخرافات لم ولن يتغير.. كل ما لا يُرى ولا يُسمع ولا يُشم ولا يُعقل هو غير موجود, هذا هو رأيي في أسطورة دراكيولا
قال جوستاف مصحّحاً: نوسفيراتو !.. إنهم يفضلون هذا الاسم هنا وفي بولندا والمجر
قلت: نعم.. هم على حق.. فهو يبدو محبباً للنفس
عادا يتحدثان عشر دقائق.. ثم التفت إليّ جوستاف قائلاً: يقول الأب إنك مخطئ
يا لبلاغة هذه اللغة!.. ربما استغرقت ساعتين كي أقول له كلمة مساء الخير
تثاءبتُ.. فقال الأب شيئاً ما للسيدة.. فقامت على الفور تحمل مصباح الكيروسين.. واقتادتنا في تؤدة إلى غرفة صغيرة بها فراشان نظيفان.. وقالت شيئاً ما هو.. بلا شك.. كلمة مساء الخير بالرومانية
وعلى الفراش ارتمينا بثيابنا لأن حقائبنا كانت في السيارة ولأن أحدنا لم يكن مستعداً للنزول في الصقيع والظلام كي ينعم بالنوم في بيجامة
وغرقت في نوم عميق
*******
غريب هو عواء الذئاب في هذه القرية
صوت قوي متحشرج أليم كأنه إنسان يتألم في أعماق الجحيم.. أيقظني هذا العواء ثلاث مرات بعض منتصف الليل.. فكنت أردد آية الكرسي وأعاود النوم متخيلاً ذلك الذئب البائس الذي يمشي الآن في الظلام والثلوج, باحثاً عن فريسة
في الصباح خرجنا –أنا وجوستاف- نسير في القرية- أول شيء هو أن نجد ما يلزم السيارة كي نواصل الرحلة.. ثاني شيء هو أن نذهب للحانة –كما قال الأب- فقد نجد شيئاً يهمك.. أو يهمني أنا
وعند جراج القرية توجه جوستاف إلى رجل بدين يكسوه الشحم والعرق ويصرخ, تحدث معه صديقي فواصل الصراخ.. ثم عاد إليّ.. قلت باسماً: كلهم في هذه القرية يصرخون ويرفضون طلباتك
قال في صرامة: لا مجال للمزاح.. إنه يقول إن الكريفات سدت كل الطرق بالثلوج وخط التليفون الوحيد مقطوع فلم يستطيعوا استدعاء كاسحات ثلوج
وهذا يعني -
قال: نعم.. بالضبط.. يعني أننا سجناء في هذه القرية حتى يذوب الجليد
*******
في الحانة طلب جوستاف بعض الروم له وقهوة لي, وجلسنا وسط بحر من الشوارب الكثة السلافية ونظرات الشك.. ورجال مفتولو العضلات زادهم الفراء الذي يرتدونه ضخامة.. وكلهم تقريباً مسلحون ببنادق ضخمة عتيقة
كلهم هنا من الرعاة.. وحياتهم خشنة إلى حد لا يوصف, ثم يجدون أنفسهم أمام فتاتين رقيقتين مثلي ومثلك
قالها جوستاف وهو يرف قدحه في حين انكمشت أنا في مقعدي وسط هذا المناخ غير المرحب, اقترب منا صاحب الحانة فأخرج جوستاف حفنة من اللايات.. عملة رومانيا دسها في قبضته.. وقال شيئاً ما, من ثم تهلل الرجال طرباً
وشرعوا يحتسون لروم في مرح مرعب
إنها تلك الحيلة القديمة: كل مشاريب الجدعان على حسابي.. من ثم تزول الكراهية والحواجز البشرية في ثوان
اقترب منا رجل قوي البنية وشد كرسياً على مائدتنا وصافحني أنا و جوستاف بيد كادت تهشم أصابعنا, وقال: استبان !.. استبان هيرشوفتش
جوستاف نيكولسكو -
رفعت إسماعيل -
سأله جوستاف عن شيء بالرومانية.. فشرع الرجل يفكر, ثم بدأ يحكي قصة مروّعة طويلة وهو يئن من حين لآخر, ثم تهافت.. فأحاط جوستاف كتفه بذراعه, وقال: إنه فقد صديقه أول أمس.. تذكر صديقه هذا أنه لم يغلق حظيرة الأغنام من ثم ترك زوجته وطفليه وخرج في الظلام.. بضع ثوان لكنها كافية
سمعت زوجته صرخة مريعة, وحين خرجت مسلحة لترى وجدت زوجها ممزقاً على الأرض وجواره آثار أقدام ذئب
والآخر؟ -
إنه عبيط القرية كونستانتين -
وهل حدث شيء ليلة أمس؟ -
قال: لا شيء فيما نعلم.. كنا نحن المرشحين لنيل هذا الشرف لو لم يستضفنا القس
صحت في حنق: إذن تركنا هؤلاء الجبناء ولم يفتحوا أبوابهم بغرض ترك وجبة عشاء مضمونة للرفيق بيلاسكو.. يا له من ذكاء
عاد يتحدث مع الراعي.. ثم التفت إليّ: يقول إن أحداً لم يفتح بابه لنا لأن المذءوب يستطيع الكلام بصوت البشر أحياناً مقدماً أعذاراً مقنعة, ومن رأيه أن الأب أنطونيسكو اقترف جريمة بحق نفسه وحق أخته حين أدخلنا بيته أمس
هذا لطف منه -
وأفرغت فنجان القهوة في حلقي.. ثم سألت: قل لي من هو هذا المذءوب؟.. هل يعرفونه؟
قال: يقول إنهم لو عرفوه لقتلوه.. لكنه أحدهم بالطبع !.. ثم أنهم قتلوا مذءوبين كثيرين من قبل
صدمني الجواب.. فقلت: ماذا؟.. هل هم كثيرون؟
قال: طبعاً !.. هناك دائماً واحد.. الأسطورة تقول إن من يجرحه المذءوب يتحول لمذءوب جديد في الشهر التالي, كأنه وباء.. فإذا قتلت المريض الأول بقي المريض الثاني
أكملت: وحين تقتله يكون قد ابتلي العالم بثالث
قال: وهكذا.. سلسلة طويلة منذ القرون الوسطى إلى يوم الدينونة
سألته: وكيف يقتلون المذءوب؟
أجابني: الأمر يقتضي إغماد نصل في قلبه بالطبع وهو في صورته الآدمية؛ لأنه وهو ذئب يكون في أقوى حالاته.. يمكنه اقتلاع شجرة من جذورها بكل سهولة
سألته: وكيف يعرفون وهو آدمي أنه هو المطلوب؟
عادا يتحدثان.. وأشار أستبان إلى رجل يرتدي ثياباً قذرة وأصلع الرأس, فجاء الرجل, طلب منه شيئاً ما.. فأخرج الرجل من سترته لفافة وألقاها على المائدة وهو يرمقني في شك
قال لي جوستاف: يقول أستبان أن كل إنسان في القرية يعرف أنه إذا هاجمه المذءوب عليه أن يحاول إحداث إصابة ما به.. فإذا نجا بعد ذلك بدأنا في البحث عن صاحب هذه الإصابة.. ويتم إعدامه بنصل من الفضة
سألته: وهذه اللفافة؟
قال: هذا الرجل يدعى إيدو.. هاجمه مذءوب في الشهر الماضي بين الأحراش وقد استطاع أن ينتزع منه مخلباً ثم فرّ بجلده.. في مثل الصبح وجد في جيبه بدل المخلب شيئاً آخر
قلت: مثل.. بعض الشيكولاتة مثلاً؟
فتح أستبان اللفافة ببطء.. كان إصبعاً مجعداً.. إصبعاً آدمياً يحيط به خاتم ذو فص أزرق
لم يحتج إيدو لجهد كبير في البحث عمن فقد إصبعه في القرية.. بل هو لم يحتج حتى إلى ترك بيته
إن هذا الخاتم هو خاتم زوجته
*******
- يـ تـ بـ ـع -


--------------------------------------------------------------------------------

في انتظار الخامس بلهفة

؟؟؟؟؟؟
انت رحت فين؟