اسطورة الرجل الذئب 6

أسطورة الرجـل الذئـب
رواية بقلم د.أحمد خالـد توفيق
الفصل السادس: من هو؟

--------------------------------------------------------------------------------


:يحكي د.رفعت اسماعيل
قالت ايكاتيرنا وهي ترتجف كالورقة: أنا هاجمني من شهر.. في المخزن يفعل.. أنا.. أهرب.. أنا أجرح الذئب.. هو.. جرح في رأس
إنها قصة مشوقة!.. إذن لقد هاجمها المذءوب الشهر الماضي وقد استطاعت أن تفر وأن تجرحه في رأسه, وهكذا حين أشرق النهار كان هناك واحد مجروح الرأس تعرفه هي.. وهو الآن يشرب الخمر في الطابق السفلي من الحانة
ومن هو؟ -
هو.. لا أعرف.. يلبس -
غطاء رأس؟ -
قالت: نعم.. نعم.. غطاء رأس, أستبان يلبس.. ميلو إنستادت يلبس كوثار يلبس.. جورج.. ستيفانو.. رأس
قلت: هذا طبيعي يا صغيرتي, في هذا الطقس حتى الشيطان نفسه يلبس غطاء رأس
لا.. لا.. هو.. هم أبداً يخلعون لا -
هل فهمت هذا الجزء؟.. إنها نقطة هامة
من الطبيعي أن الرعاة يشربون ويسكرون ويتشاجرون.. لكن هناك خمسة لم يحدث طيلة الشهر الماضي تحت أية ظروف أن استطاعت رؤية رءوسهم عارية, هذا التشبث المريب بتغطية الرأس أثار شكوكها
فكرة ذكية.. لكن هناك حقيقة لا يجب تناسيها ألا وهي أن الفتاة مخبولة.. مخبولة تماماً !.. لكن كيف أتخلى عن قناعتي وثقتي بالعلم لأضع ثقتي في قصتك الملفقة عن جرح الرأس.. القصة التي ستؤدي إلى ذبح أول مسكين يتصادف أن عارضة الشباك ضربت رأسه أو قذفه طفل شقي بقالب طوب؟
ربتّ على كتفها مطمئناً.. وأوصلتها للباب فخرجت وهي ترسم علامة الصليب
*******
نزلت إلى الحانة.. الطابق السفلي فوجدت جوستاف جالساً على مائدة مع أستبان وقد صار ثملاً تماماً, جلست على نفس المائدة ومضيت أتأمل وجوه الرجال الخشنة وهم يصخبون ويمزحون مزاحاً فظاً سمجاً كله لكمات وشتائم
أحدهم هو المذءوب كما قالت هي.. ولكن من هو؟.. أي أسماء ذكرتها؟.. إن هذه الأسماء لا تعلق بالذاكرة.. جورج قالت.. وستيفانو.. ثم.. ثم.. كثار.. كلا.. كوثار.. ثم ميلو.. بقي واحد, أستبان.. تأملته وتأملت وجهه المشعر وهو يتحدث مع جوستاف
مفهوم تماماً أن تعتقد الفتاة أن هذا الرجل مذءوب.. فهو لا يحتاج لأنياب ومخالب كي يغدو مرعباً
ولكن كيف ولدت أسطورة المذءوب؟.. إن نفس النغمة تتكرر بشكل أو بآخر في رائعة ر.ل.ستيفنسون الدكتور جيكل والمستر هايد
الرجل الطيب الشريف الذي يتحول في ظروف معينة إلى شيطان مفترس
هل هي فلسفة إنسانية ما تتحدث عن أن لكل منا جانبين: أبيض وأسود؟
هل هي محاولة ساذجة لتفسير حالات الانفصام التي يتحول فيها لشخص إلى نقيضه دون سبب واضح؟!.. على كل حال فالفكرة مفزعة ولا أنكر هذا لحظة.. وأعتقد أن تحول جوستاف أمام عيني إلى مسخ لكفيل بجعلي أخرّ ميتاً دون أن أنطق بحرف
الساعة الآن الخامسة مساءً
اقتربت من جوستاف -ورائحة الخمر من فمه تكاد تقتلني- وقلت له: هل هناك طريقة ما تجعل هؤلاء الرجال يخلعون أغطية رؤوسهم؟
ماذا؟ -
أريد رؤية رءوسهم عارية -
قال: هل جننت؟.. أولا ًقررت فجأة المبيت هنا.. والآن تريد رؤية رءوس الرعاة.. إن الصقيع
كنت مصمماً فقلت: لا.. لا.. لم يتجمد مخي, أرجوك افعل شيئاً
دعني أفكر -
قلت: يمكنك مثلاً أن تدعوهم لشرب نخب ما وأن يخلعوا قبعاتهم في صحة هذا النخب
قال: هل تمزح؟!.. لسنا في ناد بلندن.. إن هؤلاء السادة أبعد ما يكونون عن الرقي
قلت الفكرة الثانية: إذن فلنحضر أيقونة أو شيئاً مقدساً لنجبرهم على خلع أغطية رءوسهم تحية لنا
قال: إنهم لا يعرّون رءوسهم في الكنيسة نفسها
إذن -
وهنا نهض جوستاف مترنحاً حاملاً الزجاجة في يده.. وقال: هناك طريقة أسهل وأضمن
وصاح بالرومانية بشيء ما.. فتعالت صيحات الدهشة.. ورأيت كل العيون تنظر إليّ في كراهية أو احتقار أو شك !.. وصاح أحدهم مستنكراً
ماذا قلت لهم أيها المعتوه؟ -
أجابني: قلت لهم ما تريد دون لف أو دوران.. قلت لهم إن السيد القادم من مصر يرغب.. بعد إذنكم.. في مشاهدة رءوسكم عارية
يالك من أحمق -
لقد كان ثملاً.. ووضعني في موقف ليس محرجاً فقط بل هو خطر على حياتي أيضاً.. كلهم ينظرون إليّ وقد كوروا قبضاتهم.. هناك من اعتبرها إهانة وهناك من اعتبرها حماقة وهناك من اعتبرها نزوة
واحد فقط –بلا شك- أدرك أنني أعرف كل شيء
*******
اقترب ستبان مني وهو يرمقني بنظرة نارية.. ثم ضرب المائدة بقبضته, وشرع يصرخ بكلام كثير أدركت بصعوبة أنه موجه لي
قال جوستاف: إنه يقول إنك رقيع وسمج وابن
أنا أفهم هذا الجزء -
قلتها وأنا أرتجف
ويقول إنه يطلب تفسيراً -
ابتلعت ريقي.. وتحاشيت نظرات الرجال النارية, وقلت: قل له أن يجلس لأشرح له, بشرط أن يكون هذا دون أن يسمعنا أحد
نقل له جوستاف معنى كلماتي, فتوقف لحظة يرمقنا في شك وكراهية.. ثم حزم أمره.. فالتفت إلى الرجال وأمرهم بشيء ثم إنه سحب كرسيه وجلس على المائدة أمامي
وفي عبارات سريعة نقلت له ما قالته لي الفتاة في غرفتي.. وقلت له أنني أشك فيه.. وأنني أطالب بكشف الأوراق قبل أن يحل الليل
قطّب جبينه ورشف جرعة من زجاجة جوستاف ثم مسح شاربيه بظهر يده المشعرة.. ومضى يحدق في وجهي فترة ثم نهض.. وصرخ بأعلى صوته في الرجال
ستيفانو -
فأتى له شاب على شيء من الوسامة يربط رأسه بمنديل قذر
كوثار -
نهض رجل بدين قصير القامة من مقعده وجاء لمائدتنا
ميلو إنستادت -
فأفاق ميلو من إغفاءته القصيرة على مائدة البار وجاءنا وهو يصلح غطاء رأسه المصنوع من فراء الثعالب
جورج -
فجاء شاب ملتح يضع على رأسه غطاء من الجلود, التفت أستبان إلى باقي الرجال وقال شيئاً فساد التوتر.. ونهض أحدهم لكي يغلق الباب.. باب الحانة.. وبدأ الرجال الذي ناداهم يشمرون عن أذرعتهم.. فقد فهموا أنه ناداهم لكي يفتكوا بي ! وهو أمر وارد بالنسبة لي لأن كلامه الكثير بالرومانية قد يكون معناه: أن هذا السيد يقول إنكم مذءوبون فخذوا بثأركم منه
التفت أستبان إليّ وقال كلاماً ما.. ثم أشار إلى الرجال ليجلسوا حول المائدة.. ثم شرع يتكلم بصوته العميق ضاغطاً على كل حرف
قال جوستاف مترجماَ: إنه يحكي ما قلته أنت.. ويقول لهم يا رفاق.. إن المذءوب هو أحد الخمسة الجالسين على هذه المائدة.. إنه يدعوهم لكشف رءوسهم ويقسم انه سيفجر رأس من لا يفعل برصاص بندقيته
وفي بطء واستسلام بدأ الرجال يعرون رءوسهم
الصمت يسود المكان
والحلوق جافة تترقب ما سيحدث
تعرّت أربعة رؤوس.. ثم في حركات درامية مد أستبان يده لغطاء رأسه وانتزعه ووضعه على المائدة أمامه.. لو كانت الفتاة كاذبة.. في موضوع الجرح.. فسأكون في موقف عسير
كانت كل الرءوس سليمة
رأسان فقط هما رأسا ستيفانو وميلو انستادت كان بهما جرح.. جرح قطعي مغطى بخصلات الشعر
صاح الرجال في إثارة.. في حين أخذ الرجلان يصيحان في هلع بكلمات ما.. طبعاً كل منهما يشرح لهم أين وكيف أصيب بهذا الجرح
عاد أستبان يتكلم.. إن هذا الرجل قوي الشخصية وله نفوذ هائل في قومه
صيحات الموافقة تتعالى في حين ازداد الرجلان تعاسة.. نظرت إلى جوستاف.. الذي جرفته الأحداث فلم يعد يترجم.. متسائلاً, فقال: يقول أستبان إن الموقف صار أكثر وضوحاً.. وإننا سنجلس هنا طيلة الليل حتى يتحول أحد الرجلين إلى مذءوب.. وأن السماء هي التي ستحسم القرار
سألته: ولكن طيف يقتل المذءوب عندئذ؟
أجاب: أول علامات التحول هي احمرار حدقتي العينين.. وهو سيراقبهما كالصقر بانتظار أول بادرة من أحدهما عندئذ سيذبحه بسكين الفضة قبل أن يكتمل تحوله
*******
-

؟؟؟
ايه هي خلصت و لا ايه
و لا انت نسيتي تكتبي يتبع